عالم الأحلام المُتكهرِّب بالألوان في قِصص اليد الخضراء

لـِ دانييل كلوس

f95d7d66-65c4-44b1-b632-fe835d82873a

لطالما كُنتُ مُعجباً بالأعمال الفنيّة للفنّانة الفرنسية نيكول كلافلو، طوال حوالي 40 سنة الآن! وما أثار دهشتي أنه إلى أن نشرت مجلة ذا نيويورك رفيو قِصّتها المُصوَّرة “اليد الخضراء“، لم أكن أعلم عن القِصص التي تكتُبها. إنني لا أُجيدُ الفرنسية، ولكن السبب ليس مُجرّد ذلك، إنه الشعور الذي ينتابك حين تخاف أن تفقد اللذة السِحريِة للعمل الفنّي بالكومكس إذا ما صرفت نظرك نحو النص المَكتوب. لقد شعرتُ بأن تركيزي على النص سوف يُقلَّل- بطريقةٍ أو بِأُخرى- من القوى السِحريِة المُختبئة في رسومها النابضة بالألوان، وسيتلاشى السِحر الواقع بين يديّ إن أنا أشحتُ نَظَري..

لقد بدأ الأمر حينما لمِحتُ اسمها في مجلة هيفي ميتال عندما كُنتُ لا أزال بالثانوية، وبعد ذلك بفترةٍ وجيزة- عبر مُعجِزةٍ ما- تمكّنتُ من تصّفح ألبوم فرنسي يضم أعمالها والذي يحمِل عِنوان “اليد الخضراء” أو La main verte. أتذكّر جيّداً وقوفي في زِحام متجَر لاري للكومكس، مُتسمَّراً أمام أعمالها المُتكهرِبة بالألوان المجنونة- ولقد فكَرتُ لحظتها: “لم أرَ شيئاً كهذا في حياتي..” أخذتُ الألبوم معي إلى المنزل، وبدأت قِصة الهوس بهذه الرسومات المشحونة بجمالٍ غريب.. طافحٍ وحيّ.. وبدأتُ استشعر طريقي نحو حُلُمٍ حميم.. نحو عالمٍ خاصٍ بي، بِكُل مشاعري المُعقّدة والعميقة، وما لَبِثَ هذا الهَوس بأن يتنامى مع السنوات مع كُلِ مرةٍ أمتلك فيها أحد أعمالها الفنيًّة.

قد يتساءل الكثيرون كيف لم يتسنّى لي أن أقرأ شيئاً من قِصصِها بينما أراها دائِماً على مجلّة ناطقة بالإنجليزية؟ في الواقع إن الجودة السيًّئة لإعادة الإنتاج لم ترُق لعيناي المُراهِقتان وقتئذٍ. أن أرى النصوص في رسوماتها مُستبدَلة بخطوط صارخة- قبل ظهور خط كوميك سان– يُشابه إلى حدٍ كبير مُشاهدة فيلم للمُخرِج العظيم أوزو بدبلجةٍ محشوّة بأغاني الراديو في فترةِ الذُروة. ولهذا فقد آثرتُ الانتظار، بنصفِ عينٍ مُغمَضة، حابِساً أنفاسي- طوال ثلاثين سنة على ما يبدو- لأحظى بالتجرُبة المِثالية لِقراءة قِصصها.

وفي واقعِ الأمر، لا أملكُ أيّة معلومات حول حياة نيكول كلافلو أكثر مما وجدتهُ في الصفحةِ الأولى من مُحرَّك البحث جوجل. وبالرُغم من أنني لستُ بخبير في الكومكس الفرنسية، إلا أنني أملك عدداً من الرسّامين الفرنسيين المُفضلين لديّ مثل ييف شالاند، وسيرج كليرك، وشانتال مونتليير، والتي نشرت مؤسسة Les Humanoïdes Associés الفرنسية كافة أعمالهم.

أما أعمال نيكول كلافلو فإن لها وتراً يُلامِس حتى أعمق نُقطةٍ في أحشائي، مثل الأفلام الأولى لديفيد لينتش، حيث تجد عالَماً من صُنعِ الخيال، ولكنه مألوف، وينبض بالمشاعِر الأصيلة، والغُموض الجامح، مرسوم بحسٍ فنّيٍ واعٍ ورؤيةٍ ناصعة. إن هذهِ الجُرأة- إن صحّ التعبير- جليَّة في كافة أعمالها، ابتداءً من التدفّق السَلِس لرسومها إلى الانتقالات المُبهِرة في أًسلوب الرسم- من التفاصيل العالية الدِقّة إلى التفاصيل المرِحة المُشابِهة لرسومات هينز إيدمان بين حدثٍ إلى آخر. بالنسبةِ لي، تُمثَّل كلافلو أيقونةً مُهِمة منذ فترةِ الستينات إلى يومنا الحالي، وأستطيع أن أرى تأثيرها المُميّز في أعمالي الفنّية وأعمال بنو جيلي من الرسّامين الأصغَر سِنَاً (قد تكون جولي دوسي الأقرب شَبَهاً لها) والذين في الحَقيقة قد لا يعرِفون عنها شيئاً.

إن حجم أعمال الكومِكس الخاصة بها ليس بالضخم، فالقِصص في ألبوم “اليدٍ الخضراء” مُستقاة من قِصص “اليد الخضراء (1978)” و”النبات الذي يحلم بأن يُصبِح نمراً وقِصصاً أًخرى (1980)“. وهنالك ألبومٌ آخر باسم “في غيرِ الموسم (1979)” وهو يستحق إعادة النشر بالكامِل. ومنذ ذلك الوقت وإلى الآن اشتهرت كرسّامة قِصص أطفال، ولكنني أشعر بأن أعمالها تستحق التقدير أكثر مما تحظى بهِ الآن، وخُصوصاً أعمالها في الكومِكس. إضافةً إلى مُسَاعِدَتها “إيديث زا” والتي كانت سيريالية موهوبة للغاية، بامتلاكها بُعد فني مُتكامِل وأصيل، وهو ما ساعد رسومات كلافلو بأن تبرز حيّةً وصاخبة للناظِر، بإشعاعٍ خفّيٍ غامِض يستهويك في قِصَصِها.. والآن وقد سنحت لي الفُرصة بأن أقرأ وأتمعّن قِصصها بطبعةٍ مُمتازة (بخط دستن ربن)، أستطيع القول بأن كُل مخاوفي السابقة قد طمَستها الدهشة التي أخذتني وأنا أتصفّح هذا العَمَل الخلاّق. من الصعب التحدُث عن أعمالها، لأنها تُثير مشاعر ليس بالإمكان تقديرها أو تفسيرها، وهذا هو أعمق مديح أستطيع أن أمنحه لأي فنّان.

للاستِزادة:

ساهمت نيكول كلافلو بأعمال في المجلّة الفرنسية هيفي ميتال أو Métal Hurlant ومجلّة  Ah! Nana، كما أنها صاحِبة رُكن كرتوني شهير يُدعى Grabote، وقامت برسم مجموعة من كُتُب الأطفال الناجِحة، بما في ذلك النسخة الفائزة من قِصة “أليس في بلاد العجائِب”، وتعيش كلافلو في فرنسا.

دانييل كلوس هو رسّام كرتوني وكاتِب سيناريوهات، وهو مُؤلِف قِصة الكومِكس الشهيرة Eightball وغيرها من القِصص. وقد ظهَرت أعماله في مجلات مِثل ذا نيويوركر، تايم، نيووز ويك، وغيرها. وقد حصل في عام 2011 على جائِزة بِن الأدبية عن فئِة الأدب الجرافيكي. ويعيش كلوس في أوكلاند بكاليفورنيا.

الرسُومات مُقتَبَسة من “اليد الخضراء وقِصصٍ أُخرى”، لدار نشر نيويورك رفيو كومِكس. حقوق الترجمة 2017 لدونالد نيكلسون سميث، وحقوق المُقدّمة 2017 لدانييل كلوس.

The Green Hand NYRC-final_crx.indd

The Green Hand NYRC-final_crx.indd

The Green Hand NYRC-final_crx.indd

The Green Hand NYRC-final_crx.indd

The Green Hand NYRC-final_crx.indd

The Green Hand NYRC-final_crx.indd

The Green Hand NYRC-final_crx.indd

The Green Hand NYRC-final_crx.indd